السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بقلم م. عبد اللطيف البريجاوي
يطمع الإنسان العاقل أن يتغير إلى الأفضل والأحسن..
ويحب ذلك لنفسه ولأهل بيته فهذا إبراهيم عليه السلام يحب لذريته أن يكونوا أئمة في الخير
{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }البقرة124
ومن لا يفكر أن يتغير نحو الأفضل والأحسن فهو ساكن راكد والركود لا يليق بالمسلم وكما يقول الشافعي رحمه الله تعالى :
إني رأيت سكون الماء يفسده *** إن جرى طاب وإن لم يجر لم يطب
لكن التغيير يحتاج في بدايته إلى عنصرين اثنين هما النية والنور
يحتاج إلى نية لأن النية أساس كمال الأعمال وأساس صلاحها ونجاحها
فعن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
"إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ " البخاري /1/
قال ابن حجر رحمه الله تعالى في الفتح :
" وقد تواتر النقل عن الأئمة في تعظيم قدر هذا الحديث : قال أبو عبد الله : ليس في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم شيء أجمع وأغنى وأكثر فائدة من هذا الحديث . واتفق عبد الرحمن بن مهدي والشافعي فيما نقله البويطي عنه وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني وأبو داود والترمذي والدارقطني وحمزة الكناني على أنه ثلث الإسلام , ومنهم من قال ربعه "
ومن هنا تعلم اهتمام العلماء بهذا الحديث وسبب وجوده في افتتاحية الكتب لما له من دور مهم و أثر ايجابي في نجاح العمل واستمراره ولما فيه من تحرير المقصد والتذكير به
ويحتاج التغيير إلى نور أي إلى بصيرة.. " {... وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ }(النور40)
والنية والنور هما أسُّ التغير وأساس التوبة وركيزة الانطلاق نحو الأفضل وحجرا الزاوية في بناء الشخصية الجديدة
{.............. إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ } (الرعد11)
إن أي إنسان يريد أن يتغير نحو الأحسن والأفضل لا بد من البدء بهذين الشرطين
فالنية هي استجماع القصد في القلب و وطلب المعونة من الرب وتأكيد الهمة في تنفيذ ما يريد تحقيقه
والنور هو المنهج الذي يسير عليه الإنسان فيوصله إلى رضى الرحمن
إن البرامج التي يضعها المصلحون اليوم طويلة ومعقدة ذات تعدادات كثيرة وفقرات متنوعة وهي على فضائلها المختلفة كبيرة
لكن برامج الصحابة للتغيير لم تكن كبيرة ولا معقدة بل كانت من أبسط الأمور إنه برنامج من فقرة واحدة و لكن هذه الفقرة مهمة جدا في التغيير
إن هناك برنامجا للنغيير كان الصحابة يستعملونه وهو يتألف من فقرة واحدة
برنامج للتغيير من فقرة واحدة أليس هذا الأمر سهلاً..
البرنامج ببساطة.. هو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم..
كان يدعو عندما يخرج إلى صلاة الفجر بهذا الدعاء
.... فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَخَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ – أي صلاة الفجر - وَهُوَ يَقُولُ : " اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي لِسَانِي نُورًا وَاجْعَلْ فِي سَمْعِي نُورًا وَاجْعَلْ فِي بَصَرِي نُورًا وَاجْعَلْ مِنْ خَلْفِي نُورًا وَمِنْ أَمَامِي نُورًا وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِي نُورًا وَمِنْ تَحْتِي نُورًا اللَّهُمَّ أَعْطِنِي نُورًا "( مسلم / 1280/)
هذا هو البرنامج .. وهو حديث واحد... ألمح فيه برنامج التغيير و أنوار التغيير...
تعال معي لندخل إلى هذا الحديث بشيء من التفصيل..
- الحديث يدل على أنه لا بد من الخروج إلى صلاة الفجر, هذه الصلاة العظيمة التي وصفها الله تعالى بأنها مشهودة {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً }(الإسراء78)
قرآن الفجر : هو صلاة الفجر صرح بذلك البخاري في صحيحه عندما أفرد بابا أسماه ( بَاب قَوْلِهِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا قَالَ مُجَاهِدٌ صَلَاةَ الْفَجْرِ)
ومعنى مشهودا أي تشهده الملائكة
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " فَضْلُ صَلَاةِ الْجَمِيعِ عَلَى صَلَاةِ الْوَاحِدِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً وَتَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا " ( البخاري /4348 /)
وقيل يشهده الله وملائكته فقد روى ابن جرير والطبراني عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إن قرآن الفجر كان مشهودا قال يشهده الله وملائكة الليل وملائكة النهار
وحاشا و كلاّ لله سبحانه وتعالى أن يشهدك في هذه الصلاة ثم يعرض عنك..
ما أجمل أن يشهدك الله في كل يوم في صلاة الفجر..
وما أجمل أن تشهد الله في هذه الصلاة وتشهد ملائكته
إنك إن جربت.. لن تفارقها أبداً...
إن مجرد الاهتمام بالنزول إلى صلاة الفجر يعني أنك بدأت تقارن بين الباقي والفاني وبين ما يريده الرحمن وما يدعوك إليه الشيطان وبين ما يدعوك إليه الفراش وما يدعوك إليه صاحب الأرض والسماء إن مجرد هذا الاهتمام يعني أنك وضعت قدمك على أول الطريق وهو المقارنة بين ما يحبه الله وما يبغضه
إني أعلم أشخاصاً صلاة الفجر سر حياتهم وسر سرورهم وسر نجاحهم وسر التزامهم
لأنهم في كل يوم يشهدون الله ويشهدهم الله سبحانه ومن يشهد الله ويشهده الله حاشَ أن يضيمه أو أن يهضمه أو أن يسلط عليه أحداً
قلت لموظف متى ستصلي الفجر في المسجد.. قال إن دوامي طويل ولا أستطيع...
قلت له متى ستتقاعد قال بعد عشرين عاماً..
قلت هل ستنظر عشرين عاماً حتى تصلي الفجر في المسجد
لو أنك صدقت النية... لفعلت... ولخففت السهر ثم أنك تملك يومين من أيام العطلة في الأسبوع فلماذا إذاً لا تصلي الفجر في المسجد فيهما..
يا سبحان الله
{..وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً }(الكهف54)
- الدعاء بالنور هو الدعاء بالبصيرة والسداد والحكمة والتوفيق فالمسلم يخرج إلى صلاة الفجر والسماء ما زالت مظلمة وهو يدعو أن يجعل الله له نوراً..
نوراً في قلبه ونوراً في سمعه ونوراً في بصره وعن يمينه وعن شماله ومن أمامه ومن خلفه
إن معنى النور هو البصيرة والسداد والتوفيق والرؤية الصائبة عند ذلك سيرى الأمور على حقيقتها وسيرى الأمور في نصابها..وبذلك يحكم على الأمور بسلامة وبصيرة , ويتجاوز العقبات بنجاح وتوفيق , لأن الطريق قد أضيء أمامه..
من هنا يبدأ التغيير..
هنا سرُّ الرؤية الصائبة والتوفيق الرباني...
ما ذُكر أن صحابياً تخلف عن صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم..
ومن كان يتخلف كان يعد منافقاً..
فأنوار التغيير تلوح في صلاة الفجر..
ونفحات الهداية تفوح في صلاة الفجر..
ونسائم النصر تلوح في صلاة الفجر
ممن أراد الأنوار والهداية والبصيرة والسداد والنفحات والنسائم .. فعليه بهذه الصلاة العظيمة في مسجد حييه فإنها والله .. كذلك..