hado0oy مشرف
عدد الرسائل : 211 العمر : 42 تاريخ التسجيل : 21/01/2009
| موضوع: الأترجة و لآلئ الشِّتاء الأربعاء مايو 20, 2009 1:29 pm | |
| الأترجة و لآلئ الشِّتاء
رجاء محمد الجاهوش اجتمَعنا تحتَ ظِلال الحَرفِ في مُنتدى التَّوجيه الفنِّي لدورِ القرآنِ الكريم وذات مساءٍ كانَ اللقاءُ على أرضِ ، فكانَت هذه الكلمات الواقعِ ، اليوم ـ تحديدًا ـ شعرتُ أنَّ أجملَ فصولي وأحبَّهم إلى قلبي قد حلّ
جاءَ الشِّتاءُ يجَرُّ ثوبَه المُبلل ، ومُزنه التي لا يحلو لها السُكنى إلا في السَّماء .. جاءَ فتوارَت أَشِعَّة الشمس المُلتهبة في حياءٍ ، وسَرَت في الضُّلوعِ رعشة بَرد ! احتَضنتُ نفسي بيديَّ ورحتُ أُمرّر كفيَّ على جسدِي لأبعث الحرارة في أوصالي علّني أشعرُ بالدِّفْءِ . كنتُ سعيدة رغم البَرد ، بل كنتُ سعيدة بزيارةِ البَرد ! حملتُ حقيبة كُتبي ، وتوجَّهتُ إلى دار القرآن الكريم ، تلكَ البُقعة المُباركة التي تُهدي ضيوفها أجملَ الهَدايا : سكينة وهدوءً وقبسًا من عِلم يُنير بَصيرتهم قبل بصائرهم . في طريقي رحتُ أسْتَرقُ النظر إلى السَّماء المُنبسطة أمامي ، ما زالت كما عهدتُها زرقاء عالية إلا أنَّها لم تكن صافية ، فالغيم الأبيض تسلَّـل إلى كَبِدها فكساها وقارًا . ابتسمتُ وأنا أتذكّر صورتي كيفَ وقفتُ أمامَ المرآة ـ قبلَ خُروجي مِن المنزلِ ـ لأطمئن على مَظهري ، ولأرى كيف أبدو ، فالليلة موعد اللقاء الأول ، ومَن مِنا لا يُدرك قيمة اللَّقاء الأوَّل وأثره الذي يُحفر في فِكرِ وقلبِ الطرفِ الآخر ! لكنَّني ـ وقبل أن يطولَ وقوفي ـ حدّقت في تلك السيّدة التي تطلّ عليَّ من المرآة ... إنها هي ؛ نعم ... أعرفها جيدًا ؛ أعرف أنَّها تحبّ أن تكون المُسلمة مُهذَّبة مُرتَّبة ، إلى جانب التزامها بدينها وتحلَّيها بالأخلاق الحميدةِ ، وأعرفُ أيضًا أنَّها تؤمن بأن الجَمال جَمال الرُّوح لا الجَسَد ، فكم من قوالبٍ ساحرةٍ عندما تقتربَ مِنها مفتونًا ترجع القَهقرى مَصدومًا من هول ما رأيت : دَمامة خُلق ، وسوءِ مَعشَر ! ما زالت الابتسامة عالقة على ثغري ، وأنا ما زلتُ هائمة مع هواجسي : تُرى كيف سيكون اللقاء ؟ فـ "الأترجة" لا تعلم أنني على علم بزيارتها إلى مركزي ، لم أخبرها أن "وردة الإسلام" أخبرَتني الخبَر ، الذي كان مفاجأةً بالنسبة إليّ ، لقد أرادت أن تفاجئني لكن الله أراد أمرًا آخر فأتمّه ، سبحانه ! توقَّفت السَّيارةُ معلنةً أنَّنا قد وصلنا ، فطويتُ حبلَ أفكاري وحملتُ حقيبتي وتوجَّهتُ إلى قاعة الدَّرسِ . مرّت الحصة الأولى وقد نعمنا بتلاوة القرآن الكريم وسماعه في جو خاشع مَهيب ، ثم قمنا لأداء صلاة المغرب طاعةً لأمرِ ربِّنا . أقبلت عليّ "وردة الإسلام" في حبور : - لقد وصلتا ، وهما في غرفة مديرة المركز ! - مَن ؟! ، ألم تخبريني أن أختنا "الأترجة" هي من ستزورنا فقط ؟! - بلى ، لكنّها اصطحبت معها أختنا "لآلـ القرآن ـئ" ، وقد سألتني أن احزر من تكون ، فحزرت . - وكيف سأحزر أنا ؟ أعطيني علامة فارقة . - الأنحف والأطول هي أختنا "لآلـ القرآن ـئ" ؛ هيّا ألا تريدين الذهاب للقائهما ؟ - بلى أريد . - سأدعو أمي لتذهب معنا . - حسنًا ، هذا أفضل ، فمع الجماعةِ يتشَّجع الخَجول ! مضينا نحو حجرة مديرة المركز ـ وهي سيدة فاضلة كسبت حبّنا واحترامنا بحسن خلقها وتعاملها ـ وصلنا بسلام ، فكانت "وردة الإسلام" أول الداخلات ، ألقت التحيّة كي تلفت الانتباه إلينا ، فارتسمت أعذب الابتسامات على الوجوه ، وهبّ الجميع وقوفًا . كنتُ كمن يحلّق في حُلم ، فتركتُ لنفسي العَنان لتتصرّف على سجيّتها ، فكان السَّلام الودود ، والقُبل الحانية ، ونظرة "الأترجة" التي يَشعّ بريقها حبًّا وأخوَّة ، أما "لآلـ القرآن ـئ" فسَلَّمَت عليّ بحرارة المُحبّ دونَ أن تعرف مَن أكون ! سألتني بعد السَّلام بودٍّ : مَن ؟ - رجاء ولوهلةٍ شَعرتُ أنَّها لم تَربط بعد بين "رجاء" و "خيوط الفجر" ، فبادرتُها : - خيوط الفجر . فافترّ الثغر عن ابتسامةٍ أعذب من سابِقتها ، وانهالت كلمات التَّرحيب . جمَعَنا اللِّقاء لمدة دقيقة واحدة أو دقيقتين لا أكثر ، فقد حانَ موعد الحصة الثانية ، حصة التَّجويد ، ومُدرِّسة التَّجويد حريصة على مادتِها ، وتشعر بالضِّيق إذا وجَدَت منا إهمالا ... لكننّا لا نريد الذّهاب ، فما العمل ؟! كان الحديث سريعا ، اختلطت فيه الأصوات ، وتَشابَكت المواضيع حتى حَان وقت العودة إلى قاعة الدَّرس ، فاسْتأذنا وعدنا أدراجنا . انتهت الحصَّة الأخيرة ، وبدأنا بلملمةِ أشيائنا استعدادًا للمُغادرة ، لكنَّ قلوبنا تتمنَّى لو تعود إلى غرفة المديرة لتلقاهما ، فما كان منّا إلا السَّمع والطَّاعة ... توجَّهنا إلى الإدارة وقبل أن نصل إلى الغرفة أخبرتنا المديرة ـ وهي مُغادرة ـ أنَّهما غادرَتا ، فشكرناها ، ومضينا في طريقنا . التفتت إلي "وردة الإسلام" وقالت : - أشعرُ أنني أعرفهما منذ زمن ! - سبحان الله ، هي الأرواح الطيَّبة تألف وتُؤلَف ، كما أن صِدق المَسعى له ثمرته ؛ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " من عاد مريضًا ، أو زار أخًا له في الله ناداه مناد : أن طبتَ وطابَ مَمشاك ، وتبوَّأت من الجنَّة مَنزلا " - ما أعظم كرم الله ! نسمة باردة رفرفت حولنا فدغدغت وجنتيّ ، وذكّرتني بتلكَ الرَّعشة التي سَرَت في جَسَدِي صباحًا ، فانزَوَيتُ بين ثنايا الرّوح أتأمَّل جَمال شِتائي لهذا العام .
| |
|